أخبار عاجلة

الدكتور عادل عامر يرد على الدكتور يوسف زيدان

احجز مساحتك الاعلانية

صلاح الدين الأيوبى صانع التاريخ

إن يوسف زيدان «يسعى للحصول على جائزة نوبل من خلال إرضاء إدارة المؤسسة بالهجوم والسب في الأديان السماوية والرموز الدينية، خاصة الإسلامية».

 فقد اقتطع جزءا صغيرا من سيرة صلاح الدين الأيوبي عن تعامله مع الشيعة لتصدير فكرة سيئة عن الشخصية التاريخية. أن صلاح الدين حينما جاء للقاهرة كان يُريد عودة مصر إلى المذهب السني، فقام بإغلاق الأزهر، الذي كان وقتها مركزا لنشر المذهب الشيعي، ولم يكن بشكله الحالي.

 كانت مصر قبل قدوم صلاح الدين مقر الدولة الفاطمية، ولم يكن للخليفة الفاطمي سوى الدعاء على المنابر، وكانت الأمور كلها بيد الوزراء، وكان وزير الدولة هو صاحب الأمر والنهى، فقد كانت مصر نهبًا للثورات الداخلية بين الطوائف المختلفة، ولما رأى القائد نور الدين محمود هذه الخلافات، وبدا له طمع ملك بيت المقدس أمورى الصليبي فى دخول مصر، أرسل نور الدين محمود من دمشق إلى مصر جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه، فلما علم الصليبيون بقدوم أسد الدين شيركوه، تركوا مصر، ودخلها أسد الدين، وقربه الخليفة الفاطمي، ثم لم يلبث أن عين وزيرًا بعد ذلك، ولم تستمر له الوزارة سوى شهرين، فاختار الخليفة ابن أخيه صلاح الدين وزيرًا خلفًا له.

بعد سقوط مصر فى أيدى الزنكيين المدعومين من أمراء دمشق، أرسل الملك عموري رسله لإرسال حملة صليبية جديدة شارحًا خطورة الأمر والتغير فى ميزان القوى فى المنطقة، فاستجاب البابا إسكندر الثالث وبعث رسائل إلى ملوك أوروبا، لكنها لم تجد أذنًا صاغية. فى حين نجح الرسول المرسل إلى القسطنطينية بسبب إدراك الإمبراطور عمانوئيل كومنينوس اختلال توازن القوى فى المنطقة.

فعرض تعاون الأسطول الإمبراطوري مع حملة عموري الأول الذى وجد الفرصة مناسبة بسبب انشغال الملك نور الدين زنكى فى مشاكله الداخلية، إضافة إلى وفاة أسد الدين شيركوه وتعيين صلاح الدين خلفًا له والذى كان الملك عموري يراه شخصًا غير محنك. رجال يصنعون التاريخ ورجال يأتي بهم التاريخ، كثيرون ممن يأتي بهم التاريخ يذهبون، دون ان يبقى لهم أثر في تاريخ أمتهم، أما الذين صنعوا التاريخ فيسجلون اسماءهم بأحرف من نور على صفحات تاريخ بلدانهم، والتاريخ الإنساني، فيعيشون في ذاكرة الأجيال على مرِّ العصور، ويبقون خالدين في ذاكرة اوطانهم.

صلاح الدين الايوبي حينما اراد ان يحرر بيت المقدس انتظر اربعون عام حتى يغير جيل كامل وعندما اعد العدة وجهز الجيوش. كان حينما يتجول على المعسكرات ويشاهد الجيوش وهي تدرب وتتأهب للقتال يقول من هنا يأتي النصر وحينما يتجول على المعسكرات ويشاهد الجيوش وهي نائمة ويناقشون بأمور لا تسمن ولا تغني من جوع يقول من هنا تأتي الهزيمة. وتستحضر الذاكرة الكثير من اولئك الرجال الذين استشرفوا المستقبل، فأقدموا على خطوات هي في عرف بعض ضيقي الافق انتحار سياسي، ولكنها كانت درراً في جبين كل منهم، ومآثر تنقلها الأجيال للأجيال، تحكي رؤاهم ورغباتهم في ان ينهضوا ببلدانهم. وقد كان السلطان صلاح الدين الأيوبي حافظ القرءان وحافظ كتاب التنبيه في الفقه الشافعي وحافظ كتاب الحماسة وكان دينًا ورعًا غازيًا مجاهدًا تقيًا ولما كان للسلطان المذكور صلاح الدين هذا الاهتمام بعقيدة الإمام الأشعري ألف الشيخ النحوي تاج الدين محمد بن هبة الله المكي هذه الرسالة وأسماها حدائق الفصول وجواهر العقول وأهداها للسلطان فأقبل عليها وأمر بتعليمها حتى للصبيان في الكتاب وصارت تسمى فيما بعد بالعقيدة الصلاحية نسبةً إلى السلطان صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه ومما جاء في هذه القصيدة الصلاحية:

 جمعتُها للملِكِ الأمين الناصر الغازي صَلاح الدّين عزيز مصر قيصر الشَام ومَنْ ملَّكَهُ اللهُ الحِجازَ واليمنْ ذي العًدلِ والجُودِ معاً والباسِ يوسفَ مُحيي دولةِ العباس ابنِ الأجلّ السيدِ الكبيرِ أيوبَ نَجمِ الدينِ ذي التَّدبيرِ لا زالتِ الأيامً طَوْعَ أمرهِ والسَّعْدُ يَسعى معَ جيوشِ نصَرهِ حتى ينالَ منتهى آماله مؤيَّداً ممتَّعًا بآلة وصـانعُ الـعَالَمِ لا يَحْوِيهِ قُطْرٌ تَعَالَى الله عَنْ تَشْبِيهِ قـد كَـانَ موجُودًا ولا مكانَ وحـكمه الآن عـلى ما كانَ سـبحانه جـل عـن المكان وعـزّ عـن تـغير الزمان فـقد غـلا وزاد فـي الغلو مـن خـصه بـجهة العلو وحـصر الصانع في السماء مـبدعها والعرش فوق الماء وأثـبـتوا لـذاته التحيز قد ضلّ ذو التشبيه فيما جوّزا

ثم قال في هذه العقيدة:

إنّ الـذي يـؤمن بالرحمن يـثبت ما قد جاء في القرءان  مـن سائر الصفات والتنزيه عـن سَنن التعطيل والتشبيه مـن غـير تجسيم ولا تكييف لـما أتـى فـيه ولا تحريف فـإن مـن كـيّف شيئا منها زاغ عـن الـحق وضلّ عنها وهـكذا مـا جاء في الأخبار عـن النبي المصطفى المختار ثم قال في هذه العقيدة: وصانع العالم ذو كلامِ أوصل معناه إلى الأفهام كلامه المنزل من صفاته وهو قديم قائم بذاته وقل لمن قد كيف الكلام بالحرف والصوت معًا سلاما فإنهم قد كابروا العيان وخالفوا الدليل والبرهان فيا أولي التشبيه والتجسيم الحاء في الرحمن قبل الميم وهكذا المتلو في كلامكم أيهما القديم في اعتقادكم أضللتم الجهال بالتمويه لما سلكتم نهج التشبيه الذين يحاكمون صلاح الدين أنه لم يقم دولة كردية ، لماذا لا يحاكمون أمتهم العريقة التي كانت عقيمة عن إنجاب الأبطال إلى ظهور قائد بهذا المستوى ، وهم يتحدثون صباحاً مساءً عن أمجاد الأمة الكردية قبل أن يخلق صلاح الدين بآلاف السنين ؟

إن التشكيك في الاعتزاز بهذا البطل والقائد الكردي المسلم قاهر الملوك ومحرر الأقصى الذي شهد له الخصوم قبل الأصدقاء – هذا التشكيك – هو قطع بين حاضر الكرد وماضيهم بل هو أقوى دليل يقدم لخصوم الكرد بأن الكرد ليسوا إلا قطعان من البشر جمعتها جبال صامتة جامدة !! كما أنه قطع لكل روابط الإخوة التي تربط الكرد كشعب مسالم راق متحضر صانع للخير وداع للأمن – مع إخوته العرب الذين بنوا معا تاريخا مشتركا يشكل أقوى سياج أمام من يحاول النيل من الشعبين …

ومن يحاكم صلاح الدين ، لماذا لا يحاكم زرادشت ( وهو نبي كردي ) بأنه لم يقم دولة كردية ؟ هذا النبي الذي يقول عنه الفرس بأنه أصل الحضارة الفارسية … وإذا كان الكرد غير المسلمين ينتمون إلى زرادشت – كما يقولون – منذ فجر التاريخ ويمتلكون حضارة قبل وصول العرب البدو إليهم باسم الإسلام لماذا لم يقيموا دولة كردية ؟!! ولماذا يطالبون ويحاكمون صلاح الدين ؟ فإن كان السبب هو خدمة العرب فليتبرؤوا من زرادشت لأنه خدم الفرس والهنود !!!

ومحاكمة صلاح الدين وهو في القرن الثاني عشر الميلادي بمقاييس القرن الثاني والعشرين ظلم للحقيقة قبل أن يكون ظلما لصلاح الدين . وأي دعوة توجه لصلاح الدين بأنه كان عليه أن يستيقظ من نوم الديانة إلى صحو القومية دعوة غير عاقلة لا ينطق بها من له أدنى حظ من الموضوعية ، وهو كمن يحاكم شخصاً في القرن الثاني والثلاثين بأنه خدم القومية الكردية ولم يقم دولة عشائرية للعشيرة الفلانية ، وبعد عشرة قرون أخرى يحاكم شخصاً آخر لأنه لم يقم دولة عائلية.

كردية صلاح أكبر دليل ورد على أولئك الذين يتهمون الكرد بأنهم ضيوف على المنطقة ، وبكل تأكيد هو دليل – لكل العالم – على أن أمة أنجبت صلاح الدين ليس بأقل قدراً من أمة أنجبت نابليون بونابرت أو رتشارد قلب الأسد ، فعندما تتوافر الظروف للكرد كما لغيرهم بإمكانهم أن يتقلدوا قيادة الحضارة بأسمى معانيها الأخلاقية التي تمثلت بالخلق الإسلامي الكردي

عندما عامل صلاح الدين الصليبيين عكس ما كانوا يتصورون وفي هذا المقام أقف بكل تقدير واحترام لمواقف المثقفين والكتاب الكرد المعتبرين على مستوى كردستان بأكلمها من هذا البطل وعلى رأسهم الشاعر الكبير جكر خوين الذي زين قصيدته الرائعة ( Kîme Ez ) باسم هذا القائد الأسطورة مفتخرا بأمجاده وشخصيته  ويبدو بالفعل أن صلاح الدين لا يستحق أن يكتب فيه إلا الكبار ، أما الصغار فلينشغلوا بما يناسب مستواهم …. أما ما نشر من سخافات وادعاءات بأن صلاح الدين قتل أخوه لأنه لم يقم دولة كردية فهو خبر يترفع الإنسان عن الخوض في نقاشه لأنه أتفه من أن يناقش !!!

احمد فتحي رزق

المشرف العام

Related Articles

Back to top button